الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: وفي قوله: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} دلالة على وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض من قليل وكثير من سائر الأصناف لعموم الآية، إذ قلنا إن الأمر للوجوب، وبين العلماء خلاف في مسائل كثيرة مما أخرجت الأرض تذكر في كتب الفقه. اهـ. .قال الفخر: البحث الأول: قال أبو علي: هذا الإدغام غير جائز، لأن المدغم يسكن وإذا سكن لزم أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به، كما جلبت في أمثلة الماضي نحو: ادارأتم، وارتبتم واطيرنا، لكن أجمعوا على أن همزة الوصل لا تدخل على المضارع. البحث الثاني: اختلفوا في التاء المحذوفة على قراءة العامة، فقال بعضهم: هي التاء الأولى وسيبويه لا يسقط إلا الثانية، والفرّاء يقول: أيهما أسقطت جاز لنيابة الباقية عنها. اهـ. .قال أبو حيان: وروي عن أبي ربيعة، عن البزي: تخفيف التاء كباقي القراء، وهذه التاءات منها ما قبله متحرك، نحو: {فتفرق بكم} {فإذا هي تلقف} ومنها ما قبله ساكن من حرف المد واللين نحو: {ولا تيمموا} ومنها ما قبله ساكن غير حرف مدّ ولين نحو: {فإن تولوا} {نارًا تلظى} {إذ تلقونه} {هل تربصون} قال صاحب الممتع: لا يجيز سيبويه إسكان هذه التاء في يتكلمون ونحوه، لأنها إذا سكنت احتيج لها ألف وصل، وألف الوصل لا تلحق الفعل المضارع، فإذا اتصلت بما قبلها جاز، لأنه لا يحتاج إلى همزة وصل. إلاَّ أن مثل {إن تولوا} و{إذ تلقونه} لا يجوز عند البصريين على حال لما في ذلك من الجمع بين الساكنين، وليس الساكن الأول حرف مدّ ولين. انتهى كلامه. وقراءة البزي ثابتة تلقتها الأمة بالقبول، وليس العلم محصورًا ولا مقصورًا على ما نقله وقاله البصريون، فلا تنظر إلى قولهم: إن هذا لا يجوز. وقرأ عبد الله: {ولا تأمموا}، من: أممت، أي: قصدت. وقرأ ابن عباس، والزهري، ومسلم بن جندب: تيمموا. وحكى الطبري أن في قراءة عبد الله: {ولا تأمّوا}، من: أممت، أي: قصدت، والخبيث والطيب صفتان غالبتان لا يذكر معهما الموصوف إلاَّ قليلا، ولذلك جاء: {والطيبون للطيبات} وجاء: {والخبيثون للخبيثات} وقال تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} وقال صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بالله من الخبث والخبائث». اهـ. .قال ابن عاشور: وجملة: {منه تنفقون} حال، والجار والمجرور معمولان للحال قدمًا عليه للدلالة على الاختصاص، أي لا تقصدوا الخبيث في حال إلاّ تنفقوا إلاّ منه، لأنّ محل النهي أن يخرج الرجل صدقته من خصوص رديء ماله. أما إخراجه من الجيدَ ومن الرديء فليس بمنهي لاسيما في الزكاة الواجبة لأنّه يخرج عن كل ما هو عنده من نوعه. وفي حديث الموطأ في البيوع «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عاملًا على صدقات خيبر فأتاه بتَمْر جَنيب فقال له: أكُلُّ تَمْرِ خيبر هكذا قال: لا، ولكنّي أبيع الصاعين من الجَمْع بصاع من جنيب. فقال له: بع الجمع بالدّراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا» فدل على أنّ الصدقة تؤخذ من كل نصاب من نوعه، ولكنّ المنهي عنه أن يخصّ الصدقة بالأصناف الرديئة. وأما في الحيوان فيؤخذ الوسط لتعذّر التنويع غالبًا إلاّ إذا أكثر عدده فلا إشكال في تقدير الظرف هنا. اهـ. .قال الفخر: فاعلم أن في كيفية نظم الآية وجهين الأول: أنه تم الكلام عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} ثم ابتدأ، فقال: {مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} فقوله: {مِنْهُ تُنفِقُونَ} استفهام على سبيل الإنكار، والمعنى: أمنه تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الاغماض والثاني: أن الكلام إنما يتم عند قوله: {إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} ويكون الذي مضمرًا، والتقدير: ولا تيمموا الخبيث منه الذي تنفقونه ولستم بآخذيه إلا بالإغماض فيه، ونظيره إضمار التي في قوله تعالى: {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى لاَ انفصام لَهَا} [البقرة: 256] والمعنى الوثقى التي لا انفصام لها. اهـ. وقال الفخر: الإغماض في اللغة غض البصر، وإطباق جفن على جفن وأصله من الغموض، وهو الخفاء يقال: هذا الكلام غامض أي خفي الإدراك والغمض المتطامن الخفي من الأرض. اهـ. .قال القرطبي: أي فلا تفعلوا مع الله ما لا ترضونه لأنفسكم؛ قال معناه البَرَاء بن عازِب وابن عابس والضحّاك. وقال الحسن: معنى الآية: ولستم بآخذيه ولو وجدتموه في السوق يباع إلاَّ أن يهضم لكم من ثمنه. ورُوي نحوه عن عليّ رضي الله عنه. قال ابن عطية: وهذان القولان يشبهان كون الآية في الزكاة الواجبة. قال ابن العربيّ: لو كانت في الفرض لما قال: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} لأن الردئ والمعِيب لا يجوز أخذه في الفرض بحال، لا مع تقدير الإغماض ولا مع عدمه، وإنما يؤخذ مع عدم إغماض في النفل. وقال البراء بن عازب أيضًا معناه: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} لو أهدى لكم {إلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي تستحي من المُهدِي فتقبل منه ما لا حاجة لك به ولا قَدْر له في نفسه. قال ابن عطية: وهذا يشبه كون الآية في التطوّع. وقال ابن زيد: ولستم بآخذي الحرام إلاَّ أن تُغمِضوا في مكروهه. اهـ. .قال ابن عاشور: وكأنّ كراهية كسبه كانت معلومة لديهم متقرّرة في نفوسهم، ولذلك وقع القياس عليها. ويجوز أن يكون الكلام مستعملًا في النهي عن أخذ المال الخبيث، فيكون الكلام منصرفًا إلى غرض ثانٍ وهو النهي عن أخذ المال الخبيث والمعنى لا تأخذوه، وعلى كلا الوجهين هو مقتضٍ تحريم أخذ المال المعلومة حِرمته على من هو بيده ولا يُحلّه انتقاله إلى غيره. اهـ. .قال الفخر: والثاني: أن يحمل الإغماض على المتعدى كما تقول: أغمضت بصر الميت وغمضته والمعنى ولستم بآخذيه إلا إذا أغمضتم بصر البائع يعني أمرتموه بالإغماض والحط من الثمن. اهـ. .قال أبو حيان: .قال ابن عاشور: أراد فاهنئي. ويطلق تارة على لازمه من عدم الرؤية فيدل على التسامح في الأمر المكروه كقول الطرماح: فإذا أرادوا المبالغة في التغافل عن المكروه الشديد قالوا أغمض عينه على قذى؛ وذلك لأنّ إغماض الجفن مع وجود القذى في العين. لقصد الراحة من تحرّك القذى، قال عبد العزيز بن زُرَارة الكَلاَئي: والاستثناء في قوله: {إلا أن تغمضوا فيه} على الوجه الأول من جعل الكلام إخبارًا، هو تقييد للنفي. وأما على الوجه الثاني من جعل النفي بمعنى النهي فهو من تأكيد الشيء بما يُشبه ضدّه أما لا تأخذوه إلاّ إذا تغاضيتم عن النهي وتجاهلتموه. اهـ.
|